في
هذا الكتاب تلخص عابدة العظم تجربتها الفريدة في مجال التربية مع جدها علي
الطنطاوي رحمه الله الذي تميز بأسلوبه البلاغي الذي يجذب السامع كما تفرد
رحمه الله بتجربته الجميلة في تربية بناته وأطفالهن. وقد ركزت الكاتبة على
تسعة نقاط مهمة تناولتها بالتفصيل وضرب الأمثلة من واقع حياة الشيخ رحمه
الله. وكانت بداية هذا الكتاب عبارة عن مقالات منشورة في مجلة المجتمع
الكويتية ثم ضمتها الكاتبة في كتاب واحد ليستفيد منه الجميع.
١- ملامح من شخصية المربي الناجح
ينبغي أن يكون المربي متواضعًا يتقبل النقد فقد كان الطنطاوي يجمع أحفاده
ويسألهم أن يخبروه عن عيوبه حتى يقومها فكانوا يسكتون هيبة منه وحياءً،
فكان يشجعهم حتى يخبروه فإذا أخبروه بعيوبه شكرهم ووعدهم أن يقومها. وكان رحمه الله مثالاً للحزم والرحمة معًا فعنده وقت للجد وآخر للمزح، ووقت للعمل وآخر للراحة ولهذا كان مطاعاً في عائلته. وكان لا يحب الصياح ولا الانفعال فهما يهدمان الهيبة. ولم يضرب إلا نادرًا وقد علّم بناته أن الضرب للتأديب لا لانتقام وهو آخر الحلول في التربية.
٢- مع الصغار
في تربيته رحمه الله كان يدخل مع الصغار في عالمهم فكان لطيفًا معهم
يمازحهم ويحكي لهم القصص بل ويفاجئُهم بنزهة على الأقدام مثلاً ويكون
الصغار هم من يختار وجهة المشي.
وكثيرًا ما تحدث الخلافات بين هؤلاء الصغار ولايعرف
بادئها والظالم فيها، فاقترح رحمه الله أن يتولى هذا الأمر فبدأ بسؤال
الأمهات عن سلوكيات أطفالهن حتى كون فكرة عن كل طفل، ثم كان يراقب الأطفال
في لعبهم من حيث لا يشعرون فيميز الظالم من المظلوم فيوقع العقاب على
المخطئ ويوجه الباقي بلطف بما يناسبهم. وكان
يرى أن المربي ينبغي أن يكون صادقاً فالطفل يتعلم الصدق من أهله فالأفضل
إخبار الطفل بالحقيقة وتشجيعه على مصاعب الحياة بدلاً من إخفاء الحقائق عنه. أما الكذب فحبله قصير وسيكتسبه الأطفال كسلوك رديء لهم.
٣-التربية بالتشجيع
ينبغي التركيز على الجوانب الإيجابية عند الطفل وتشجيعها والثناء عليها فالثناء مهم في بناء الثقة بالنفس ورفع المعنويات. وكانت
للطنطاوي رحمه الله أساليبه الفريدة في التشجيع كإعطاء الطفل المتميز
شهادة تقدير مكتوبة بخط الشيخ الجميل وموقعة من الأهالي الذين حضروا
الإنجاز الطفولي.
٤- تقوية علاقة الطفل بوالديه
كان الشيخ يحب بناته حبًا جمًا ويحيطهن بالرعاية وفي نفس الوقت كان يربيهن
على بر الوالدين بل ويربي أحفاده كذلك على الاعتماد على الذات وطاعة
الوالدين. ومن
أساليبه في ذلك استخدام العقاب الرادع الواحد وفي المكان والوقت المناسب
وكانت قاعدته إذا حزمت في أمر فلا تتردد وتفسد الحزم بالعاطفة والدلال. وكانت
لديه أساليبه الجميلة في إقناع الصغار مثل عقد مؤتمر خاص بهم لتوزيع
المهام بحيث يختار كل طفل مهمته ويلتزم بها مما يساهم في تعوّد الأطفال على
مساعدة أهاليهم في أمور المنزل.
٥- العدل والحسم
يجب العدل في المعاملة بين الأطفال، فمن أكبر الأخطاء التفرقة بينهم في
توزيع التكاليف أو في العطايا فهذا مما يثير الحقد والكراهية بينهم. وكان رحمه الله يشتري الهدايا للجميع ولا يحابي طفلاً دون الآخر. بل ويجب على المربي أن يحسم في إيقاف الظلم ورد الحقوق إلى أصحابها حتى لو آلم هذا التصرف البعض.
٦- تكوين الشخصية القوية والناجحة
من أساليب تنمية الشخصية تكليف الصغير بالمهام التي تناسب عمره وقدراته
كتكليف البنات بالطبخ والأولاد بالشراء من البقالة، وتعليم الصغار أن فرص
النجاح لا تتكرر وينبغي عليهم اقتناصها قبل أن تذهب فلا تعود. إن تنمية المهارات مهمة في تكوين الشخصية الناجحة فكان الشيخ إذا أنس في طفل تفوقًا في الشعر وجّههُ لكُتب الشعر وطور مهاراته فيه. ومن المهم تعليم الطفل أن يكون قوياً فيدافع عن نفسه فالتسامح يكون مع الضعيف وطالب العفو ولكن يجب استخدام القوة حين لا تنفع إلا هي. وكان رحمه الله يهتم بالغذاء الصحي والرياضة والنوم والراحة ليبني شخصية قوية جسدياً ونفسياً.
٧- تكوين العادات والسلوكيات الفضيلة
كان رحمه الله يهتم بتربية الأطفال على الإيثار والابتعاد عن الأنانية وحب
الذات فإذا كان الطعام قليلاً فإنه يشجع الأطفال على استخدام مهاراتهم في
الرياضيات لتقسيم الطعام على العدد الموجود بحيث لا يعتدي أحد على نصيب
غيره. ومن
أهم الأخلاقيات التي كان يحرص عليها رحمه الله هي احترام المواعيد فقد
تأخر رجل ثلث ساعة عن موعده، فلما جاء أدخله الشيخ غرفة الجلوس وتركه لوحده
ثلث ساعة بمقدار تأخيره، ثم دخل عليه وأكرمه غاية ما يكرم ضيوفه، فكان ذلك
درساً بليغاً للرجل في احترام المواعيد.
٨- شكر النعم والمحافظة عليها
ينبغي تربية الأطفال على شكر النعم والمحافظة عليها كشكر نعمة الأكل وأكل
الموجود وعدم رميه أو التذمر منه، وإغلاق الأنوار المضاءة في الغرف
الفارغة، والاعتناء بالأشياء فالأرائك للجلوس لا للقفز واللعب. وينبغي عدم رمي الأشياء فالقديم يتصدق به لمن يحتاج والمعطوب يتم إصلاحه.
٩- في عالم الكتب والمعرفة:
كان الشيخ يحول الجلسات العادية إلى جلسات علمية مسلية ومفيدة ويجيب على
تساؤلات الأطفال وكثيراً ما كان يحولهم إلى الكتب ليبحثوا عن الإجابات في
بطونها فكان بعضهم يحجم عن السؤال خوفاً من مراجعة الكتب لكنهم لم يسلموا
فأحياناً يسأل أحد الكبار أو الضيوف فيُلزم الشيخ الصغار بالبحث عن الإجابة. وكان يعلمهم الطريقة الصحيحة للبحث فيسألهم عن موضوع السؤال أولاً أهو تفسير أم تاريخ … الخ
وفي أي كتاب يتوقعون الإجابة وكيف يبحثون عنها في الكتاب المقترح، فكانوا
يأتونه بالكتاب تلو الكتاب وهو يوجهم ويرشدهم حتى يحصلوا على الإجابة
الصحيحة. وبهذه الطريقة فازوا بشيئين وهما ثبات المعلومة وحب القراءة. وللكتاب قيمة جليلة لدى الشيخ فممنوع التعامل معه بقسوة أو إتلاف أوراقه وكعبه. وكانت سعادته رحمه الله في اقتناء الجديد من الكتب فإذا أعجبه كتاب ما أهدى نسخاً إلى بناته. وقد كان رحمه الله يقرأ مائة صفحة في اليوم وقد نقل هذه العدوى (حب القراءة) إلى عائلته فكانت عابدة تقرأ عشرين صفحة يومياً. وللقراءة
فن عند الطنطاوي رحمه الله، فالبداية تكون بقراءة العنوان ثم الانتباه
لاسم المؤلف فقد يكون فاسداً مفسداً فيُترك ثم قراءة المقدمة لمعرفة غرض
الكتاب يليه استعراض الفهرس والختام بقراءة الخاتمة ففيها زبدة الكتاب. هذه الطريقة تعطي القارئ فكرة واضحة سريعة عن مضمون الكتاب بحيث يقرر إما أن يواصل قراءته أو يتركه.
الخاتمة:
تنصح الكاتبة بالدأب والمتابعة والمثابرة وعدم الملل. وتختتم
كتابها موضحةً أن هذه اللمسات التربوية هي جزء من تربية الشيخ وهي ما تميز
به عن غيره من المربين، كما أن هذه التوجيهات قد أثرت كثيراً في بنات
الشيخ وأحفاده وحفيداته فقد طبقها وعمل بها أكثرهم واستفادوا منها وهذا ما
شجع الكاتبة أن تنشر هذه التوجيهات في كتاب حتى يعم النفع الجميع.